Skip to main content

Blog entry by منصة قويم

قطاع التدريب وشماعة الجائحة

قطاع التدريب وشماعة الجائحة
دكتور/ جاسم محمد الفهاد
مستشار ومدرب في التنمية البشرية



في صبيحة اليوم التالي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كتبت صحيفة ذا إيكونوميست البريطانية Economist) The ( العريقة في افتتاحيتها "الحدث الذي سيغير العالم". واقتباسا لهذه الافتتاحية أقول -كما قال أخرون - "الجائحة التي غيرت العالم للأبد".
يعيش العالم بأسره اليوم أزمة صحية غير مسبوقة ، فقد أجمع المراقبون والمحللون أن جائحة كورونا أحدثت أضرارا جسيمة وأثارا مدمرة وتسببت في تحول جذري على كافة الأصعدة ، الاقتصادية والصحية والاجتماعية والتعليمة والنفسية وغيرها ، ولم يسلم من هذه الأضرار والأثار البلدان المتقدمة ، ناهيك عن البلدان النامية والأقل نموا.
ووفقًا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2021) فقد طالت أيضا تداعيات الجائحة مجالات التنمية البشرية كافة ، حيث شهدت انخفاضا حادا في معدلات ومؤشرات التنمية قياسا بالعقود الثلاث الأخيرة.


لن أتطرق في مقالي هذا عن حجم وأثار هذه التداعيات على التنمية البشرية بمفهومها العام فقد سبر غورها وأمعن في تشخيصها وتحليلها العديد من المختصين وأصحاب الشأن ، وإنما سأتناول بإيجاز آثار الجائحة من منظور التدريب وتأهيل رأس المال البشري في الدول العربية.

إن الأضرار البالغة التي ألحقتها الجائحة بالاقتصاد العالمي وأسواق العمل أرغمت الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص في الدول العربية على إعادة صياغة أولوياتها وبرمجة موازناتها وترشيد نفقات قطاعات مختلفة لمواجهة أعباء الوباء العالمي، فكان لقطاع التدريب والتأهيل النصيب الأكبر من تقليص الموازنة وتجميد أنشطته وفعالياته. لا شك أن هذا الإجراء الاضطراري مقدر "نسبيا" في الوقت الراهن نظرا للظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة ، لكن لا ينبغي ومن غير المنطق أن تكون الجائحة "الشماعة" التي يتم تعطيل قطاع حيوي من قطاعات التنمية البشرية إلى أجل غير معلوم ، خاصة أن كافة التقارير والمؤشرات الصحية والطبية تكهنت بأن أفق انجلاء أزمة الجائحة في علم الغيب ، بل إن بعضها أكدت أنها ستكون موسمية ولا مناص من التكيف معها. هذه المعطيات تحتم على الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص في الدول العربية إعادة النظر جديا في سياساتها تجاه قطاع التدريب في ظل "الوضع الجديد" والتكيف مع تداعياته ، خاصة مع تطور تكنولوجيا وسائل التواصل الافتراضي وتوفرها بأسعار زهيدة. إن الجائحة لم تعد عائقا للعديد من مؤسسات ومراكز التدريب الرائدة في المنطقة والتي استأنفت أنشطتها وبرامجها التدريبية عن بعد عبر منصات إلكترونية ، مثل “زووم” ، “مايكروسوفت تيمز” ، "سكايب" وغيرها وهو مثال وواقع عملي جدير أن يحتذى به.
لقد اطلعت مؤخرا على بعض الدراسات والأبحاث ملخصها أن الجائحة كشفت عن أهمية زيادة وتنويع الاستثمار والتأهيل المستدام في رأس المال البشري ، لتعزيز وتطوير مهارات وقدرات القوى العاملة بمختلف مراكزهم ومستوياتهم الوظيفية لاحتواء الجائحة وتقليل أضرارها حاليا ومستقبلا ، خاصة فيما يتعلق ببرامج خطط الطوارئ وإدارة المخاطر والأزمات المحلية والدولية والتأهيل النفسي والاجتماعي.


إن السمة الأساسية لديناميكية عالم اليوم هي التكيف والتطور لتحقيق النمو والازدهار في جميع المجالات ، وإن الاستثمار السليم المستدام في رأس المال البشري هو العلاج الناجع للتحديات الاستثنائية التي أفرزتها جائحة كورونا وتوابعها مستقبلا.


  • Share

Reviews